حضرموت بين المجلس الانتقالي والمجلس الوطني تقاطع مصالح وصراع مشاريع: ورقة تقدير موقف

August 9, 2023 تم النشر في
إصدارات المركز
...

مقدمة

إن تشكيل مجلس حضرموت الوطني الذي برز في الساحة اليمنية مؤخرًا بعد قرابة شهر كامل على تشكيل مجموعة مشاورات الرياض، والتي أعلنت عن لجنة تحضيرية أولية مهمتها الأساسية الإشراف على الأوراق والوثائق التي سيتم تحضيرها لقوام المجلس ([1]) قد أتى بعد مرور ثماني سنوات منذ إعلان عاصفة الحزم في مارس 2015، وإعلان إنشاء المجلس الانتقالي الجنوبي في 2017، وفي ظل تدهور الوضع الاقتصادي في عموم البلد، وتزايد رغبات المحافظات في تبني أطروحات محلية تناسب وضعها الداخلي أكثر من اهتمامها بحلول كلية للأزمة اليمنية، كما أن المجلس الوطني جاء بعد أن أعلن عضو مجلس القيادة الرئاسي ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي إقامة الدورة السادسة للجمعية العمومية في مدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت للمرة الثانية، وتصريحاته عن الدولة الجنوبية من مدينة المكلا ([2])، في سياق مخرجات اللقاء التشاوري الجنوبي، وتنفيذ قرار إقامة الدورة السادسة، وهنا بدأت ما يمكن تسميته بمشاورات وحوار الرياض، وتولد عنها طيف سياسي لديه طرقه وأساليبه الخاصة لمحافظة حضرموت بشكل خاص ([3])، مما أثار تساؤلات عديدة حول تزامن هذا المجلس مع أفكار ورؤى ومخرجات اللقاء التشاوري الجنوبي؟ والتي أتت في ظل محاولات المجلس الانتقالي الجنوبي بسط نفوذه على عموم الرقعة الجغرافية لمناطق جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقًا.

هذا وكان مجلس حضرموت الوطني قد أُعلن من العاصمة السعودية الرياض، بوجود محافظ حضرموت مبخوت بن ماضي الذي كان حاضرًا طيلة إنشاء المجلس في الرياض، وتبعه وعد من اللجنة السعودية المرافقة للجنة التحضيرية لذلك المجلس بحزمة دعومات تنموية – خيرية لمحافظة حضرموت كشفت عنها السلطة المحلية في صفحتها الرسمية على الفيس بوك([4])، فما سر هذا الدعم الممول من المملكة لمجلس حضرموت الوطني؟ وماذا يفهم من تكوينه وإنشائه بكفالة سعودية، وعلى أرضها، وفي عاصمتها؟ وماذا يفهم من السياق العام من تقاطع مصالح أو تلاقيها مع المكونات الجنوبية على الساحة السياسية بشكل عام؟


السياق العام:

   إن إعلان اللجنة التحضيرية من عاصمة المملكة الرياض وقدومها إلى مدنية المكلا، وفي ظل رغبة المجلس الانتقالي في تبني أكبر كتلة سياسية من أطياف المناطق الجنوبية المحررة تحت إطار تكوين الدولة الجنوبية، والبعد عن أي مشاريع أخرى، قد أدى إلى فتح تساؤلات حول أهداف إيجاد مجلس حضرموت الوطني متزامنًا مع تحركات المجلس الانتقالي في عدن وحضرموت؟ حيث إن ذهاب محافظ محافظة حضرموت مبخوت بن ماضي مع مجموعة من السياسيين لأجل محافظة حضرموت، وتحديد ميثاق شرف حضرمي، والتوقيع عليه، وتصاعد طرح القضية الحضرمية، كل ذلك جرى بعد يومين من توقيع ميثاق الشرف الجنوبي ([5])، وفي الوقت الحالي وبشكل عام فإن الأزمة السياسية في الجمهورية بدأت تسير في اتجاه تحركات مختلفة للملكة لحالة الاحتقان الداخلي، وفي ظل ترهل عضلات الشرعية، وعدم قدرتها على إيقاف الحوثي، حيث إن المملكة قامت خلال العام الحالي بعدة تغييرات أساسية تجاه التعامل مع الطرف الحوثي بشكل خاص؛ فقد أرسلت في إبريل المنصرم سفيرها محمد آل جابر إلى صنعاء عبر وساطة عمانية خاصة لأجل التفاوض مع جماعة الحوثي بشكل مباشر ([6])، وهو الأمر الذي أثار العديد من الاستفهامات حول نهاية الأزمة اليمنية ومصير القوات المقاتلة في الجبهات ضد الحوثي، خصوصًا أن المجلس الانتقالي الذي بحسب أجندة وأهداف إنشائه لديه تطلعات وأهداف تختلف كليًا عن جانب حل الأزمة اليمنية في إطار دولة موحدة، وهذا الأمر لعله كشف عن خطوات سعودية أحادية لحل الأزمة الداخلية، بما يضمن مصالح المملكة وأمنها دون تدخل الأطراف الأخرى، بحسب ما نقل في وسائل الإعلام ([7])، وقد جرى إعلان مجلس حضرموت الوطني في ظل بقاء المنطقة العسكرية الأولى في وادي حضرموت دون تغيير أو حلحلة، على الرغم من حالة الغليان وازدياد الاحتقان الشعبي تجاه حالة سوء الأمن في الوادي في السنوات الأخيرة ([8]).

   وبالتالي جاء تسمية مجلس حضرموت الوطني كأحد الخطوات التالية التي تنمو في اتجاه مختلف عن السياق المجلس الجنوبي؛ إذ إن من ضمن أهداف مجلس حضرموت الوطني عبر الوثيقة الموقعة في الرياض بند ينص على (وحدة حضرموت، وحق أبنائها في إدارة شؤونهم الاقتصادية، والسياسية، والأمنية) [9]، والدعوة التي تلقتها الأطراف السياسية في محافظة حضرموت كان في مجملها أعضاء من المحافظ الأسبق عادل باحميد، الذي في عهده سيطر تنظيم القاعدة على ساحل محافظة حضرموت، ولم يخرج منها إلا بعد عملية تحرير المكلا بألوية النخبة الحضرمية في إبريل 2016، مما يجعل مجلس حضرموت الوطني ذو نطاق محلي – إقليمي للشرعية بعيدًا عن إطار ونطاق المكونات الجنوبية بشكل عام!.


تقاطع مصالح أو تصادم مشاريع؟:

إن محافظة حضرموت تحتل مكانة رئيسة في بوابة حل الأزمة اليمنية الحالية، حيث إن تجاذب المشاريع نحو التأثير على صناع القرار لأجل جلب المحافظة نحو استقطاب سياسي معين من قبل الأحزاب والكيانات في الجمهورية بشكل عام، وقد مرت المحافظة خلال السنوات الماضية ببعض المنعطفات التي أثرت فيها، بداية بإسقاط ساحل حضرموت تحت يد تنظيم القاعدة، ثم تزايد حالات الاغتيال وسوء الأمن في وادي حضرموت، وتزايد نفوذ المنطقة العسكرية الأولى في الوادي، وكان آخرها استهداف المدنيين العزل في مظاهرات سلمية بالرصاص الحي( [10]).

وبالرغم من ذلك ظلت رغبة المملكة السعودية في بقاء المنطقة العسكرية الأولى، مع غياب الحكومة الشرعية عن البلد، وازدياد أسعار الصرف لما فوق 360 ريال يمني مقابل الريال السعودي، وتشكيل المجلس الوطني إلى حالة تصادم المشاريع بين المجلس الوطني الحامل لمسألة حضرموت، والمجلس الانتقالي الحامل لمشروع الدولة الجنوبية الكاملة على حدود 1990، والذي جعل المجلس الانتقالي يتحرك بشكل أحادي نحو إرساء قواعده سياسيا وعسكريا على نحو يضمن للمجلس السيطرة شبه الكاملة على نواحي المناطق الجنوبية كافة، وبالتالي تزامنًا مع تحركات تكوين وإظهار مجلس حضرموت الوطني دون أن يكون للمجلس الانتقالي دور في إنشاء المجلس يصب في جانب تكبير دور حضرموت لناحية أخرى تشابه أو توازن مشروع المجلس الانتقالي الجنوبي!.

أبرز الدلالات:

أولا- إن تكوين وإنشاء ودعم مجلس حضرموت الوطني يأتي في ظل تحول تحركات المجلس الانتقالي الجنوبي بشكل أحادي نحو بسط النفوذ سياسيا على عموم الرقعة الجغرافية للجنوب، ومن ثم إخراج السلطة الشرعية من العملية السياسية بشكل كامل، حيث إن مكانة وقدرات الإخوان المسلمين تكمن في الموارد الجوية من مطار سيئون الدولي، والموارد البرية من منفذي الوديعة وشحن في حضرموت والمهرة، وبالتالي إعطاء موارد الإخوان لبديل جديد عن السلطة الشرعية بعد ثماني سنوات من عدم قدرتها على تحرير صنعاء من الحوثي، وفشلها في إتاحة الخدمات الإنسانية للمواطن في عموم البلد.

ثانيا – إن تكوين مجلس حضرموت الوطني يؤكد أن رغبات وتحركات المملكة في تصورها للحل الأمثل للمحافظات الجنوبية المحررة يختلف كليًا عن حلول المجلس الانتقالي الجنوبي، وإن جانب المنطقة العسكرية الأولى وطيلة عمر بقائها يعتمد كليًا على منظور المملكة للمحافظة، وإن محاولات تطمينات الانتقالي لم ترضِ جانب الرياض، وبالتالي تسعى المملكة من خلال نفوذ حزب الإصلاح + قدرات المنطقة العسكرية الأولى + صندوق إعادة الإعمار + إعلان مجلس حضرموت الوطني، إلى إخراج إطار المحافظة من الإمكانية الجنوبية نحو إطار استقلال المحافظة على المستوى البعيد.

ثالثا – إن المجلس الانتقالي الجنوبي قد يصطدم بشكل عملي مع خلفيات بعض أعضاء اللجنة التحضيرية أو مشاورات الرياض؛ نتيجة لكون حزب الإصلاح من ركائز مجلس حضرموت، بما يعني أن سياسة التهدئة، وتبريد المواقف، وتأجيل الاحتدام إلى مرحلة لاحقة وسيلة لم تحقق المطلوب، بل أدت إلى تفاقم تعقيد الجانب السياسي من الأزمة اليمنية في زاوية المناطق الجنوبية المحررة، ومحافظة حضرموت على الأخص، وأن الأساليب التي اتبعها المجلس الانتقالي قد أضرت بالعلاقة مع المملكة العربية السعودية، الأمر الذي أدى إلى إنشاء المجلس الوطني بعيدًا عن ناظري المجلس الانتقالي والكيانات الجنوبية بشكل عام.

رابعا – إن حل الأزمة السياسية الذي تبني عليه المملكة تحركاتها يجري بخطوات انفرادية بعيدة كل البعد عن مجلس القيادة الرئاسي، بدءًا من الزيارة المفاجأة لسفير المملكة محمد آل جابر إلى صنعاء عبر الوفد العماني، وإن السلطة الشرعية في طريقها نحو الزوال، والتحول من مشروع اليمن الموحد إلى الدخول في مشاريع جهوية مصغرة، مثل لجنة أقيال اليمن، ومجلس حضرموت الوطني!.

خامسا – تسعى المملكة العربية السعودية من خلال تحركاتها السياسية الأخيرة في البلد بشكل عام إلى تغيير كبير لنهجها في التعامل مع الأوضاع المحلية، وإن تكوين مجلس حضرموت الوطني يأتي كأحد الأوراق الجديدة في سبيل مد نفوذها في المناطق التي لها عمق اجتماعي تاريخي في البلاد، ولا يستبعد أن يشكل مجلس وطني، أو أي كيان سياسي آخر في محافظات أخرى، مثل محافظة المهرة والعاصمة عدن.

سادسا – ان توقيع مؤتمر حضرموت الجامع على وثائق مجلس حضرموت الوطني يعني انصهار مؤتمر حضرموت الجامع تحت اطار مكون جديد، مما يدل على ان هنالك عدم رضى على اعمال مؤتمر الجامع قبل سبع سنوات، وبالتالي هضم مشروع الجامع بقيادة عمرو بن حبريش بإدارة و اشراف من المملكة العربية السعودية ، خصوصا ان ممثلي المؤتمر الجامع كانوا جزء أساسي ممن وقع على الوثيقة السياسية – الحقوقية التي تبناها مجلس حضرموت الوطني في الرياض .


[1] - تم إعلان اللجنة التحضيرية للمجلس في تاريخ 21-يونيو- 2023م، موقع الإندبدنت العربية، https://2h.ae/HPDz

[2] - تصريحات الزبيدي من مدينة المكلا، موقع ساوث 24 للأخبار، 21 – 5- 2023، https://south24.net/news/news.php?nid=3357

[3] - للمزيد – يرجى الاضطلاع على صفحة الوثيقة السياسية والحقوقية لمجلس حضرموت الوطني التي أعلنتها السلطة المحلية على صفحتها الرسمية في الفيس بوك، 20- يونيو 2023 - https://2h.ae/nLPt

[4] الصفحة الرسمية للسلطة المحلية في الفيس بوك

[5] - للمزيد انظر إلى – موقع ساوث 24، تصريحات صلاح باتيس عضو مشاورات الرياض، https://south24.net/news/news.php?nid=3382

[6] - تصريحات محمد آل جابر السفير السعودي لدى اليمن، صحيفة الإندبدنت العربية، https://2h.ae/BflM

[7] مرجع سابق، صحيفة الاندبدنت العربية.

[8] - خفايا وتداعيات خطيرة للتدهور الأمني في وادي حضرموت، صحيفة عدن تايم، 2019م، https://2h.ae/GtVM

[9] - الوثيقة السياسية والحقوقية لمجلس حضرموت الوطني، صفحة السلطة المحلية على الفيس بوك، مرجع سابق

[10] - استهداف متظاهرين سلميين في مدينة سيئون، في ذكرى 7-7-، صحيفة هنا عدن: https://huna-aden.com/news76351.html