دراسة احصائية في الزواج السياحي (المختلط) على نطاق محافظة حضرموت

August 17, 2023 تم النشر في
إصدارات المركز
...

المقدمة:

ليس بالممنوع أو العيب أنْ يتم زواج أحد الأشخاص من جنسية أخرى، أو زواج الرجل من ديانة سماوية أخرى، على العكس من ذلك فإن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابة الكريم: {وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ} [الْحُجُرَاتِ: 13]، الأمر الذي يفتح مجال لتبادل الثقافات بين البلدان، وتعزيز الأطر الاجتماعيّة بينها، من خلال ما ينتج عن ذلك الزواج من أبناء يتمكنون من حمل جنسيتي الأب والأم، مما يسمح لهم بتطوير مداركهم أكثر، والحصول على فرص أكثر.

كما أنّ الزواج من جنسيات أخرى في اليمن بشكل عام، وفي حضرموت على وجه الخصوص، لم يكن حديث الظهور، بل إنّ الحضارم قد اتجهوا في زمن قديم إلى بلدان شرق آسيا، وشمال أفريقيا، في طريقهم للتجارة والإبحار، فقاموا بأنشاء أُسر في البلدان التي استقروا فيه أو مروا من خلالها.

وخلال الخمس السنوات الأخيرة لوحظ تزايد في عدد الزيجات من جنسيات أخرى، خصوصًا من دول الخليج العربي؛ وقد تزامن هذا التزايد في عدد الزيجات مع ما تمر به اليمن من حرب وصراع سياسي، طالت بأذيالها الاقتصادي في المحافظات كافة، ومنها حضرموت التي تأثرت سلبًا كغيرها من المحافظات، الأمر الذي تسبب في تدهور اقتصادي فاحش، وتذبذب العملة المحلية التي أصبحت تساوي أكثر من (370 ريال) مقابل الريال السعودي، وأكثر من (1140) مقابل الدولار الأمريكي، في مقابل أنْ راتب الموظف لم يتم معالجته بصورة تواجه تلك المتغيرات في العملة.

فمن خلال هذه الدراسة الوجيزة سنحاول أن نسلط الضوء على الزواج المختلط، ونعرفه من النواحي الاجتماعيّة، والقانونية، ونذكر أنواعه، وكم عدد الزيجات من جنسيات أخرى خلال الخمس السنوات الأخيرة، وما الأضرار التي تنتج عن تلك الزيجات، آملين أن نوفق في ذلك.

كما أن هذه الدراسة الإحصائية تعد ركيزة ومرجع لدراسة تحليله في قادم الأيام، سيتم العمل عليها في بحث آخر يسلط فيه الضوء على الآثار والمعالجات لظاهرة الزواج المختلط.

واجهت الدراسة الكثير من الصعوبات في البحث عن المصادر؛ لغرض إثراء هذه الدراسة البحثية؛ لأنها أول دراسة حول الزواج المختلط في حضرموت، وقد لاقى المركز شحة في المصادر من الجهات المعنية، إلى أنْ تم الحصول على إحصائيات من محكمة استئناف حضرموت، كما تم نشر استبانة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن لاقى صعوبة في التجاوب من النساء اللاتي تزوجن زواجًا أجنبيًا (مختلطًا)، فقد اعتمدت هذه الدراسة الإحصائية على إحصائيات محكمة استئناف حضرموت، وتوضح من خلاله عدد حالات الزواج المختلط خلال الأعوام (2018- مارس 2023م)، كما أنه تم التوصل إلى مجموعة من المعلومات الإحصائية عن طريق الاستبانة الإلكترونية الذي تم نشره في (20 مارس 2032م - 30 مارس 2023م) على مواقع التواصل الاجتماعي.

الزواج المختلط وأشكاله الاجتماعية:

الزواج المختلط هو شكل من أشكال الزواج، يكون فيه الأزواج ذوي أجناس متعددة، أو إثنيات عرقية، أو ديانات مختلفة ([1])، كما أنّ القانون اليمني لم يأت بتعريف محدد، ولكن أوجز الفصل الثالث من القانون رقم (6) لسنة 1990م وتعديلاته للعام 2003م، وحدد خلال ذلك الفصل الإجراءات والموافقات الرسمية في حالة زواج المرأة، أو الرجل اليمنيين من أجانب أو العكس.

من خلال التعريف بالزواج المختلط فإننا نكون أمام أشكال عدة من الزيجات من حيث ديانة، أو ثقافة، أو جنسية الطرف الآخر في العلاقة الزوجية، فقد يتم الزواج بين ديانات مختلفة، كأن يتم الزواج من غير المرأة المسلمة فيما يخص الرجل، أما هذا النوع من الزواج فلا ينطبق على المرأة المسلمة؛ لأن الشرع والقانون لا يسمح لها بالزواج من غير المسلم ما لم يعتنق الإسلام.

أما الشكل الآخر من الزواج وهو الزواج من ثقافات أو جنسيات أخرى، وهو موضوع بحثنا في هذه الدراسة، والذي يكون على أساس اختلاف الجنسيات بين طرفي العلاقة الزوجية، كأن تتزوج المرأة من رجل أجنبي يحمل جنسية غير يمنية، ومن ثقافة أخرى لا تشبه الثقافة في حضرموت.

ومن المسلم به أن الزيجات من جنسيات أخرى، هو قرار شخصي لا يحق لأي جهة ممانعته، ما دام موافقًا للقوانين واللوائح التي تنظمه، إلا أن ارتفاع معدل الزواج المختلط قد ينذر بظاهرة يتوجب تسليط الضوء عليها؛ لمعرفة معدلات التزايد، وفي حال ما إذا كان هذا الشكل من أشكال الزواج يشكل خطرًا على الحماية القانونية والاجتماعيّة للنساء في اليمن، وأبنائهن الناتجين عن ذلك الزواج، ومن حيث توافر جميع الحقوق من عدمها، أم أنّ هذا النوع من الزواج أصبح مجرد وسيلة للهروب من الواقع الذي يعيشه المجتمع من غير مبالاة بالنتائج.

حالات الزواج المختلط بحضرموت:

في إحصائية لعدد حالات الزواج المختلط حصل عليها المركز من محكمة استئناف حضرموت شكل (1)، جاء فيها أنه خلال العام (2019-2018م) قد بلغت عدد حالات الزواج المختلط 167 حالة زواج من جنسيات أجنبية، بين عربية وغير عربية، كما أنّ عدد الحالات خلال العام (2020م) 45 حالة زواج، وارتفع معدل حالات الزواج من جنسيات غير يمنية إلى 67 حالة زواج خلال العام (2021م)، إلا أنّه تراجع العدد إلى 39 حالة زواج مختلط خلال العام ( 2022م)([2]).

عدد حالات زواج الأجانب (الزواج المختلط)خلال العام
19إلى مارس 2023م
392022م
672021م
452020م
168 (المجموع)2019-2018

شكل (1)

غير أن هذه الإحصائيات هي للزيجات التي تتم عبر الأطر القانونية، ويتقدم فيها الطرف الأجنبي بطلب رسمي لوزارة الخارجية، يقدم فيه جميع البيانات والأوراق الرسمية التي تثبت عدم وجود مانع من موانع الزواج بيمنية، كالتقرير الطبي الذي يثبت الصحة البدنية والنفسية لطالب الزواج، وشهادة حالة جنائية، كما أنّه يتطلب وجود إقرار بالموافقة من المرأة التي ستتزوج من أجنبي، وعلى ضوء كل تلك الإجراءات يتم مخاطبة وزارة العدل بعدم ممانعة الزواج، واستكمال إجراءات الزواج لدى المحكمة.

غير أن هناك الكثير من الزيجات التي تتم خارج الأطر القانونية، ولا يوجد حصر لهذه الحالات، لأنها تتم عن طريق مكاتب الخدمات العامة، وهي ما يكون فيها شرط من الشروط قد سقط، أو أنّ الدولة التي تقدم منها طالب الزواج تمانع زواجه من أجنبية، ومثالا على ذلك القرار الوزاري الذي أصدرته وزارة الداخلية العمانية يتعلق بتنظيم زواج العمانيين من أجانب ([3]) بشروط، أوردتها كالآتي:

  1.  أن تكون هناك أسباب اجتماعية أو صحية تدعو إلى الزواج، ويقصد بالأسباب الاجتماعية هي تلك التي تتعلق بالنسب، والحسب، واللون، ومكانة أسرة الشاب، أما الصحية فهي التي تتعلق بسلامة وصحة المتقدم للزواج، وبسببها في بعض الأحيان لا يجد من تقبل العيش معه، مما يضطره للزواج من أجنبية.
  2. 2)                     ألا يكون متزوجًا بعمانية ما لم تكن غير قادرة على القيام بواجباتها الزوجية، فالمطلق يجوز له الزواج من أجنبية وفقًا للشرط الثاني، وكذلك من لدية زوجة عمانية عاجزة عن القيام بالواجبات الزوجية.
  3. 3)  أنْ يكون طالب الزواج من غير عمانية قادرًا ماليًا على تكاليف الزواج، وتوفير المسكن المناسب، وإعالة الأسرة.

وفي حالة مخالفة ذلك القرار يتم توقيع عقوبات على العمانيين في حالة تزوجهم من أجنبية من دون توافر الشروط، تبدأ بالغرامات، والحرمان من الوظائف، وحرمان إدخال الزوجة أو الزوج الأجنبي لسلطنة عمان.

غير أن تلك التجاوزات القانونية التي تتم من طرفي الزواج تكون على أساس أن يتم تخطي الأطر القانونية من جانب المرأة، بحيث إنّه لو تم أخذ عدم الممانعة بالزواج من الجهات الرسمية لما وقعت كثير من الحالات التي تعرضت فيها نساء للتعنيف، وسوء المعاملة، والحرمان من الحقوق، فالقانون اليمني قد كفل للمرأة حاملة الجنسية اليمنية كل الضمانات، والحماية القانونية، في حالة زواجها من أجنبي، مما يحول دون وقوع أي مشكلات في وقت لاحق.

غير أنْ العديد من الزيجات في حضرموت تتم عن طريق نساء وسيطات زواج (خاطبات)، يتقاضين أجور ومكافأة من الرجال الأجانب لبحثهم عن فتيات للزواج، وفي المقابل فإنّ الكثير من الزيجات تتم وسط خنوع من الأهل؛ نتيجة للوضع المعيشي الذي تعيشه الأسرة، وإنّ هذا النوع من الزيجات يعود على ولي أمر الفتاة بوفر مادي، من خلال المهر، والهدايا التي يتقدم بها طالب الزواج، يعززها تدني العملة المحلية مقابل العملة الأجنبية التي يتقدم بدفعها طالب الزواج الأجنبي، حيث إنّه وفيما توصلت إليه الاستبانة شكل (2) بأنّ المهور التي يتم دفعها تتراوح ما بين (مليون إلى مليوني ريال يمني)، وأكثر، وبنسبة أكثر من 72% من أصل 35% استبانة تم الإجابة عليها.

شكل (2)

وبالمقابل فإن 70% من الزيجات التي تمت قد حصلت على تأشيرة سفر لبلد الزوج، وقد انتقلت للعيش معه شكل (3)، وهذا مؤشر على أن الزيجات من جنسيات أخرى تكون زيجات كاملة لا ناقصة، مثل زواج المصلحة التي يتم فيه إبقاء الزوجة دون نقلها إلى بلد الزوج.

شكل (3)

كما أنّ أغلب الزيجات التي يتقدم بها طالبو الزواج يكونون من كبار السن، وهم عادة ما يبحثون عن فتيات قاصرات في السن، وبحسب الاستبانة شكل (4) فإنّ أعمار الأزواج الذين تزوجوا من فتيات تتراوح أعمارهم ما بين (30-40 و40-50) فأكثر.

شكل (4)

أهمية الدراسة الإحصائية:

وفقًا للأوضاع المعيشية الراهنة فإن العديد من الآباء يعمدون إلى تزويج بناتهم هربًا من تحمل مسؤوليات مضاعفة منهم، أو حتى طمعًا في العائد المادي من الزواج، إضافةً إلى أن تزويجهن سيمكنهم من السفر مع بناتهن، والتمتع برحلات سفر حرم منها المواطن اليمني طوال فترة الحرب، مما يجعلهم يقبلون بالزيجات بأي طريقة كانت، حتى دون ضمانات تحفظ كرامة وقدر بناتهم، بل إن أغلب الزيجات تتم من فتيات قاصرات دون السن القانوني للزواج.

وكثير من الفتيات في حضرموت يعلقن آمالهن الصغيرة على فستان زفاف أبيض، ويوم العمر المميز الذي يردده عليهن الأهل من يوم أنْ تكون واعية لأفق الحياة، وكأن الحياة كلها لم تكن غير متعلقة بفستان أبيض، ورجل يحقق لها كل طموحاتها، بل إن الضغط الذي يمارسه المجتمع، وشبح العنوسة الذي يعد هاجس للفتاة من الوهلة الأولى لوعيها على الحياة، إضافةً إلى العنف الأسري، والكبت النفسي، والمشكلات الأسرية، كلها تؤدي للفتيات أن يتخذن قرارات الموافقة على الزيجات دون التفكير في النتائج، حتى أن الرضا الكلي بالزواج لا يكون متوفرًا في بعض الزيجات.

وقد نظم القانون حالات الزواج المختلط درءًا للمشكلات التي قد تتعرض لها المرأة في حالة تم خداعها، وتزوجت من رجل اكتشفت فيما بعد أنّه يعاني من مرض نفسي أو عضلي، أو أنّها قد خدعت في الحالة الاجتماعية أو الجنائية للزوج الأجنبي.


[1] تعريف الزواج المختلط (موقع وكيبيديا) للنظر أكثر على الرابط: https://2u.pw/UVLeNz

[2] إحصائيات رسمية حصل عليها المركز من محكمة استئناف حضرموت.

[3] أحكام زواج العمانيين من أجانب (صحيفة أثير الإلكترونية) http://www.atheer.om/archives/493647/493647/

لتنزيل الورقة من هنا