تحولات المشهد في حضرموت: قراءة في أبعاد التصعيد ودوافعه الإقليمية

تشهد حضرموت في الآونة الأخيرة حالة من التصعيد السياسي والعسكري، تبدو حتى الآن غامضة من حيث دوافعها الحقيقية. فالتراشق المتبادل بين القوى المحلية يظهر وكأنه محاولة لتضليل الرأي العام، بينما تبقى خيوط التأثير الفعلي بيد الشقيقتين السعودية والإمارات، اللتين تمسكان بزمام الاستقرار في اليمن منذ ما يقرب من عقد كامل.
زيارة واشنطن وتغيير قواعد اللعبة
تزامنت التحركات الأخيرة مع زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى واشنطن، وما نتج عنها من توافقات جديدة أبرزها تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كتنظيم إرهابي. ومن بين تداعيات هذا التصنيف جاء إغلاق قناة بلقيس بشكل مفاجئ في تركيا، في خطوة اعتُبرت مؤشرًا على تغيّر أولويات الرياض تجاه الجماعة.
السعودية: مراجعة رهانات ما بعد عاصفة الحزم
منذ انطلاق عاصفة الحزم في 2015، راهنت السعودية على جماعة الإخوان لاستعادة صنعاء، معتبرة أنها القوة الأكثر جاهزية على الأرض. لكن السنوات أثبتت أن الجماعة كانت تتحرك وفق أجندات تتجاوز المصلحة اليمنية، ما جعل الرياض تُدرك أن رهانها كان خاسرًا، وأن الجماعة لم تكن الشريك الذي يعوَّل عليه في معركة الدولة.
الإمارات: صناعة نفوذ عبر القوة العسكرية
على الجانب الآخر، لعبت الإمارات دورًا محوريًا في المناطق المحررة، مستندة إلى دعم قوى تمتلك ثقلًا عسكريًا وموقفًا متصلبًا تجاه الإخوان. لم يقتصر ذلك على دعم قوى مواجهة للجماعة، بل امتد إلى تبني المشروع الجنوبي عبر المجلس الانتقالي الجنوبي.
نجح الانتقالي في بناء قوة عسكرية كبيرة تُعد اليوم أحد أقوى التشكيلات في الجنوب، لكنه ما يزال يعاني من ضعف سياسي واضح يحد من قدرته على تحويل ذلك النفوذ العسكري إلى مكاسب سياسية ثابتة. هذا الخلل جعل المشروع الجنوبي يعتمد بدرجة كبيرة على الدعم الإماراتي لضمان استمراره واستقراره.
حضرموت في قلب إعادة تشكيل النفوذ
في ضوء هذه المعطيات، يبدو التصعيد في حضرموت جزءًا من عملية أوسع لإعادة ترتيب النفوذ داخل اليمن. فالسعودية تعيد تموضعها بعد تفكيك علاقتها التاريخية بالإخوان، والإمارات تعمل على تعزيز توازناتها عبر مشاريع جنوبية ذات طابع عسكري. وبين هذا وذاك، تتحول حضرموت إلى ساحة اختبار لإعادة رسم موازين القوى بين الرياض وأبوظبي.
التصعيد إذن ليس حدثًا معزولًا، بل حلقة ضمن مشهد إقليمي يعاد تشكيله، تتحرك فيه المصالح بما يتجاوز قدرة القوى المحلية على التحكم بالواجهة.
بقلم: علي باسمير
كاتب وباحث سياسي